Sunday, December 19, 2010

ويكيليكس....... تاريخ موقع

كلمة ويكي في لغة سكان جزر هاواي تعني السرعة‏,‏ وأول من استخدمها في عالم الكومبيوتر هو المبرمج‏'‏ وورد كننجهام‏'‏ الذي توقف يوما في مطار هونولولو حيث لفت نظره اسم الحافلة التي تتنقل بين مدارج المطار المختلفة‏'‏ الويكي باص‏'.‏ ألهمت الحافلة واسمها كننجهام ليخترع في عام‏1994‏ تقنية في البرمجيات تساعد علي التحرير الجماعي لموقع ما علي الإنترنت وأطلق عليها الويكي‏.‏

أصبحت الويكي من أشهر التقنيات البرمجية المجانية علي الإنترنت وتم استخدامها بنجاح في عدة مواقع بل إنها تكاد تكون التقنية الأم لكل المواقع الإعلامية التفاعلية علي الإنترنت‏.‏ فأهم خصائص تقنية الويكي هي أنها تتيح التحرير الجماعي بالإضاقة والحذف والتعديل والتنسيق لأي حجم من المعلومات من أي مكان‏.‏

ألهمت الويكي جيمي ويلز لتأسيس أشهر دائرة معارف علي الإنترنت‏'‏ ويكيبيديا‏',‏ وقد ادي نجاح الفكرة إلي نشأة مواقع اخري للويكي هدفها توفير مختلف أشكال المعرفة وأدواتها علي الانترنت بالمجان‏,‏ فكان منها‏'‏ ويكي قاموس‏'‏ و‏'‏ ويكي مصدر‏'‏ و‏'‏ويكي جامعة‏'‏ وويكي خرائط وغيرها‏.‏ وقد انتظمت مجموعة كبيرة من هذه‏'‏ الويكيات‏'‏ تحت مظلة واحدة لمنظمة عالمية غير هادفة للربح هي منظمة‏'‏ ويكي ميديا‏'‏ وهدفها تقديم محتوي معلوماتي حر بكافة لغات العالم‏.‏ لكن ظلت هناك مواقع أخري تحمل نفس الاسم العام "ويكي" لكنها تعمل مستقلة مثل ويكي خرائط‏,‏ وموقع‏'‏ ويكيليكس‏'‏ والتي تعني‏'‏ ويكي تسريب‏'.‏

بدأت ويكيليكس عملها علي الإنترنت في عام‏2006‏ ومن البداية اعلن مقدموها أنهم يعملون من خلال شركة صحافة‏'‏ صن شاين برس‏',‏ غير أنهم لم يعلنوا أسماء المؤسسين أو المستشارين إلا لماما‏.‏ فبينما يعلن الموقع في يناير من عام‏2007‏ أن هيئة مستشاريه تبلغ‏22‏ عضوا‏,‏ فإنه يعلن في يونيو من عام‏2009‏ أسماء بعضهم وكان منهم صانع أفلام استرالي هو‏'‏ فيليب آدم‏',‏ ومبرمج شهير لبرامج المصادر المفتوحة هو الأمريكي‏'‏ بين لوري‏',‏ و‏'‏وانج دان‏'‏ الناشط السياسي الصيني المعارض ورئيس الحركة الديمقراطية الصينية‏,‏ والصيني‏'‏ زياو كوينج‏'‏ وهومبرمج أيضا و البرازيلي‏'‏ فرنسيسكوا فريررا‏'‏ الناشط الكاثوليكي المتأثر بحركة لاهوت التحرير ثم يأتي أخيرا‏'‏ جوليان أسانج‏'‏ الذي يظهر اسمه كصحفي ومن مجموعة المستشارين‏.‏

وقد قدمت لك هذه القائمة لتتبين عالمية الحركة‏,‏ وحتي أساعدك علي التفكر في الصورة الشائهة التي تم ترسيخها إعلاميا والتي أظهرت‏'‏ أسانج‏'‏ باعتباره المسئول الأول وربما الوحيد عن الموقع‏.‏ بل أن أسانج نفسه يفسر ذلك بأن الأمر الواقع فرض عليه الظهور كمسئول 
عن الموقع‏,‏ فقد كان يفضل أن تظل الشخصية التي تقف وراء الموقع مجهولة لكنه خشي أن يؤدي إلي إثارة اللغط‏.‏

ومن البداية يظهر علي الموقع ما ينم علي أنه يحارب السرية ويعتبرها الكامنة وراء الفساد والاستبداد علي مستوي العالم‏,‏ ليس فقط فساد الحكومات المستبدة‏,‏ وإنما فساد الحكومات في بلدان العالم الأول التي تعمل متواطئة مع الرأسمالية العالمية والشركات عابرة القوميات‏.‏
وعلي مدي السنوات الثلاث الماضية عمل الموقع كــــ‏'‏ويكي‏'‏ حقيقي‏,‏ أي أنه عمل بطريقة التحرير الجماعي فقد عمد إلي تحفيز الناشطين علي مستوي العالم ودفعهم إلي تحميل ما يصل إليهم من وثائق سرية من أي مكان ويخص اي حكومات‏,‏ وكان شعار الموقع لمدة طويلة هو أن‏'‏ الخبر هو ما يرغب البعض في حجبه عنك فلا تعرفه‏,‏ وما غير ذلك هو إعلان‏'.‏

غير أن هذا الوضع تغير في النصف الثاني من العام الحالي‏,‏ ففي شهر أبريل من العام الحالي قدم الموقع شريط الفيديو الذي يظهر كيف تم إطلاق النار بشكل مباشر علي المدنيين العراقيين والصحفيين من قبل القوات الأمريكية‏,‏ ثم أعقب ذلك نشر وثائق البنتاجون للحرب العراقية‏,‏ ثم وثائق الحرب علي طالبان‏,‏ ثم أخيرا وثائق الخارجية الأمريكية‏.‏

ومنذ أن بدأ الموقع في نشر هذه التسريبات الكبيرة توقف عن استقبال وتحميل وثائق مستخدمي الموقع‏,‏ ومن ثم لم يصبح‏'‏ ويكي‏'‏ وإنما أصبح موقعا إخباريا تقليديا وهو الموقف الذي ربما يدفع أخرين من ثقافة الويكي إلي الابتعاد عن ويكيليكس وتأسيس مواقع جديدة لاستعادة الفكرة‏.‏ ومن ناحية اخري فإن سيطرة حفنة من كبريات الصحف والمواقع الاخبارية العالمية علي الوثائق وتسخيرها لأمكاناتها الضخمة في عرض الوثائق بوسائط مختلفة ومبتكرة أفقد الموقع الأصلي اهميته وهو ما يعني نهاية الموقع لكنه يعني في الوقت ذاته انتشار فكرة التسريب‏.‏

وعندي أن ويكيليكس الموقع والأزمة ستشكل نقطة بداية فارقة في تاريخ العالم‏,‏ فهي من ناحية أحدثت انقلابا في عالم الأخبار وتداولها‏,‏ وهي من ناحية أخري أطلقت الفكر السياسي والقانوني للبحث من جديد في العديد من المسلمات التي عاشت بيننا طويلا لعل أهمها 
المرجعية الأخلاقية والقانونية لسرية المعلومات‏.‏

السبت 12 من محرم 1432 هـــــ   18 ديسمبر 2010 السنة 20 العدد 7174

No comments:

Post a Comment