Sunday, December 18, 2011

موقفي من المجلس الاستشاري - لماذا قبلت ولماذا استقلت ؟

عندما تلقيت الدعوة للانضمام للمجلس الاستشاري كان ردي أن الوطن يمر بمرحلة حرجة جدا من تاريخه ، وأنه ينبغي علينا جميعا أن ندعم اي جهد يساعد في تأمين ما تبقى من الفترة الانتقالية حتى يتم تسليم السلطة بكاملها من المجلس العسكري إلى السلطات المدنية المنتخبة بسلام.
ومما ساعدني على قبول العضوية ما أكده لي أعضاء من المجلس الاستشاري أثق بهم  وبأحكامهم ، وأحترم أراؤهم ورؤاهم السياسية، بأن المجلس العسكري  جاد في طلب المشورة وأنه سيكون جادا في تنفيذ ما يتفق عليه معنا من توصيات.
كان أملي من الاشتراك في المجلس الاستشاري أن نستطيع أن نجمع الفرقاء في هذا الوطن معا في حالة من التوافق الوطني يعالج  ما هو قائم بالفعل من صدام بين قطاع كبير من الشباب من ثوار التحرير والمجلس الأعلى للقوات المسلحة،  ويمنع ما يتوقعه الجميع من صدامات قادمة .
وفي أول جلسة رسمية للمجلس ، تلك التي عقدت منذ خمسة أيام،  طلبت رسميا أن يكون على رأس جدول أعمالنا حل الأزمة القائمة بين ثوار التحرير و المجلس العسكري ، وقلت حرفيا " إن هذا لغم موقوت سينفجر وأن علينا تفكيكه عبر حل مشاكل المصابين وأسر الشهداء وإطلاق سراح المعتقلين ووقف المحاكمات الاستثنائية ومد جسور الحوار مع الثوار الراديكلين "
وعندما حدثت الاعتداءات العنيفة على معتصمي مجلس الوزرا ء تخيلت أن المجلس الاستشاري والمجلس العسكري سيتعاونان في تحويل هذه الكارثة إلى فرصة لحل الصدام حلا نهائيا يراعي طلبات المعتصمين ويحسن من صورة المجلس العسكري لدي الثوار ويحرر الحكومة من مشكلة مزمنة  تعرقل عملها.
وفي صباح يوم الجمعة كنت أول من طلب من الأمين العام الدكتور محمد نور فرحات إدراج الأحداث على جدول أعمال المجلس في أقرب فرصة وساهمت في سلسلة من المشاورات التليفونية إلى أن تحددت الجلسة الاستثنائية للمجلس والتي دعا إليها من يمثل المجلس العسكري.
وما أن بدأ الاجتماع  حتى بدا واضحا ان هناك اختلاف في توصيف الأحداث على الأرض، وفي تشخيص الأسباب، وفي تصور العلاج. وبدا واضحا أن الرواية الرسمية تتحدث فقط عن عنف يُمارس ضد القوات المسلحة، وتنفي تماما استخدامها لأي شكل من أشكال العنف ، كان هذا في الوقت الذي وصلتنا معلومات عن سقوط شهداء جدد وازدياد في اعداد الجرحى.
عند هذه النقطة كتب الاستاذ - زياد علي - خطاب الاستقالة الذي وقعه ثمانية أعضاء كنت أحدهم. وعندما علم المجتمعون بهذه الاستقالة وافقوا على اقتراح تقدم به السيد عمرو موسى بتقديم توصيات محددة للمجلس العسكري وتعليق أعمال المجلس الاستشاري لحين الاستجابة للتوصيات.
وبناءا على هذا الاقتراح قررت وأخرون اعطاء فرصة أخيرة بتجميد الاستقالة لمنح المجلس الفرصة لتنفيذ ما اتفقنا فعلا عليه وهو إيقاف العنف فورا وبصورة نهائية والاعتذار والتحقيق.
غير أنه على مدى الساعات التالية لم يقف العنف بل زادت حدته وخرج من شارع مجلس الشعب ليجتاح ميدان التحرير ، وخرج علينا بيان المجلس العسكري لـ"يأسف" عما حدث .
لم أحضر الاجتماع الاستثانئي الذي جرى يوم السبت للنظر في رد المجلس العسكري على المجلس الاستشاري ولكل من يتساءل عن موقفى الحالي من المجلس الاستشاري فأنا الآن في عداد المستقيلين .

د.حنا جريس
18/12/2011

Saturday, April 2, 2011

ماذا يريد التيار الإسلامي؟

علي مدي سنوات طويلة ماضية كان الإخوة في التيار الإسلامي يشكون من التعامل معهم بعنف من قبل نظم الحكم المختلفة، ويشكون أيضا من استبعاد القوي السياسية الوطنية لهم. كانوا محقين في شكوتهم وكان الآخرون مخطئين في طريقة تعاملهم مع ظاهرة الإسلام السياسي خاصة حين خلطوا بين التيار في عمومه وممارسات التيار الراديكالي منه الذي انتهج العنف في تسعينات القرن الماضي

غير أن موقف القوي الوطنية اختلف اختلافا جذريا من التيار الإسلامي في السنوات العشر الأخيرة، وأصبح معظم التيارات السياسية الوطنية بمختلف مواقعها مؤمنة عن صدق بحق التيار الإسلامي في الوجود في الساحة الوطنية بوزنه السياسي (وليس وزنه الديني)، وباعتباره تيارا وطنيا أصيلا

ومصداقا لذلك فقد وقف الكثيرون مع حزب الوسط ضد التعنت الذي مارسته السلطة البائدة في حصوله علي التصريح الرسمي لتأسيس الحزب. وعندما قامت مباحث أمن الدولة بإجبار أعضائه الأقباط على سحب توكيلاتهم للحزب عشية نظر قضيته في محكمة الأحزاب، توجهت معه شخصيات قبطية إلي المحكمة لتقف بجوار الحزب وأصحابه لتدافع عن حقهم في أن يحصلوا علي حزبهم الذي كنا ومازلنا نراه حزبا يمثل تقدما كبيرا في تطور حركة الإسلام السياسي
كذلك وقف التيار الوطني كله مع الإخوان المسلمين عندما تعرض أعضاء جماعتهم لحملات شديدة من القمع والاعتقال، والأهم عند تحويلهم إلي المحاكمات العسكرية وقد نشروا على مختلف توجهاتهم السياسية وبأسمائهم عرائض الاعتراض علي المحاكمات العسكرية في كبريات الصحف . وهكذا أيضا وقف الجميع ومعهم منظمات المجتمع المدني مع المعتقلين من كافة التيارات الإسلامية من الأخوان والجهاد والجماعة الإسلامية وشكلوا معا حملة ضد التعذيب البشع الذي كان يمارس ضدهم في المعتقلات.
ونستطيع القول أن التيار الإسلامي اصبح حاضرا بطريقة طبيعية في التيار السياسي المصري الوطني منذ ظهور حركات الاحتجاج السياسي ضد الرئيس السابق ومشروع التوريث حيث كانت اسهاماته في النضال من أجل التحرر من استبداد الحزب الوطني والعائلة الحاكمة، كانت هذه الاسهامات ظاهرة بمساهمات بأشكال مختلفة مع حركة كفاية وفي أثناء أحداث القضاة الشهيرة في عام 2006
وأثناء ثورة 25 يناير وبعدها كان التيار الإسلامي مشاركا ضمن مشاركات الجميع من ليبراليين ويسارين وشباب حملة دعم البرادعي وغيرهم، وأيا كان حجم مشاركة التيار الإسلامي فإن تحركاته ورموزه منذ أن نجحت المرحلة الأولي من الثورة أثارت ولا تزال الكثير من اللغط
ومصدر اللغط أن التيار الإسلامي ارتضي أن يكون وحده الممثل لدي المجلس العسكري في تحضيرات الفترة الانتقالية، وعنوان هذه التحضيرات هو لجنة تعديل المواد الدستورية وتحضير القوانين المكملة للعملية الانتقالية، حيث تم استبعاد كافة الفصائل السياسية من التحضير أو مناقشة ما تم تعديله
وقد أدت هذه الطريقة في التعامل مع الفترة الانتقالية إلي انقسام الشارع السياسي طوليا بين التيار الإسلامي في جهة وبقية القوي الوطنية في الجهة الأخري، وقد تكرس الانقسام في الاستفتاء علي التعديلات الدستورية، ولم يسع الأخوة في التيار الإسلامي إلي الحوار مع التيارات الأخري بل صدرت منهم ممارسات شابهت تلك التي كان يمارسها الحزب الوطني مثل تخوين الرافضين للتعديلات أو استخدام أساليب الترغيب المادية للمستفتين
غير أن أخطر مما نتج عن  إدارة التيار الإسلامي ليوم الاستفتاء هو هذا الاستقطاب الديني والطائفي الحاد الذي أصبح يهدد المجتمع المصري لفترة طويلة قادمة، والأغرب ألا تجد محاولات جادة وحازمة من الأخوة للوقوف في وجه خطر الفتنة الطائفية، وأعلم ويعلم الجميع أن الأخوة في التيارات السياسية الإسلامية ليسوا دعاة فتنة أو عنف، لكنني لم أر منهم أية محاولة لمن هم معهم في نفس التيار، وأقصد هنا السلفيين، ليخففوا الوطء عما يحدثونه من أضرار جسيمة بالوطن
إن كل ما قام به الإخوة في التيار الإسلامي منذ تشكيل لجنة تعديل المواد الدستورية وحتي إصدار قوانين الحياة السياسية الجديدة يشير إلي انهم يريدون تشكيل أساسات الدولة الجديدة علي مقياسهم الخاص لماهية الوطن والدولة والهوية، وهم في ذلك مندفعون غير صابرين، مستبعدون كل الطيف الاجتماعي والسياسي المصري، هذا المجتمع الذي عمل في العقد الأخير علي الوقوف معهم ومساندتهم في وجه الاستبداد 
وعندي أن هذا التوجه خطير وستكون له أسوأ النتائج علي الوطن كله، فالتحضير لما بعد الثورة العظيمة ينبغي أن يتم بحضور ومشاركة أصحاب الثورة وكل اطياف المجتمع المصري، والتحضير لأساسات المستقبل لهذا الوطن لا يمكن إلا أن يتم بالتوافق بين جميع أبنائه وهوما لا يسعي الإخوة إليه الآن. وأخشي ان ينتهي بنا المطاف إلي بناء سياسي يكون فيه التيار الإسلامي بديلا للحزب الوطني لنعيد الكرة من جديد. 



Monday, February 7, 2011

إحموا أبطال الثورة في الميدان

دعوة هزلية يطلقها نظام مهزوم وبعض مدمنى الخوف  يطالبون فيها  المنتصرين  المعتصمين في ميدان التحرير بالتراجع والعودة إلى منازلهم دون أن يتحقق لهم أي مطلب مما طالبوا به.  فبعد كل  التضحيات الجسيمة التي قدمها هؤلاء الشباب العظماء من أجل مستقبل أفضل لمصر،  يصر مبارك ونظامه الكسيح على البقاء بأي ثمن ويرفض كل أنواع التنازلات ، حتى إنه لم ينطق بكلمة اعتذار واحدة عما اقترفته قواته القمعية المهزومة في الشارع من اعمال إجرامية ، فلماذا إذن ينفض الاعتصام؟.
المواطن المصري مايو 2006 مظاهرات دعم القضاة
يا سادة هؤلاء المعتصمون خاضوا  على مدى عشرة أيام كاملة حربا حقيقية من أشرس الحروب ضد نظام قمعي مجرم لم يتورع عن استخدام كل أنواع الإجرام ليبقى في الحكم ، وقام بكل أنواع المؤامرات الخسيسة ليستمر في الحكم  مهما كانت  خسائر الوطن وأبناؤه.
فخلال عشرة أيام  خاض هؤلاء المعتصمون من الشباب  والشعب المصري ثلاث جولات من المعارك الشرسة والخطيرة ضد هذا النظام
بدأت الجولة الأولى يوم الثلاثاء  25 يناير واستمرت حتى  مساء يوم الجمعة 28 يناير ، وهى المعركة التي قام فيها شباب من كافة أطياف الشعب المصري من المسلمين والأقباط  ، شباب من الشيوعيين واليساريين والليبرالين والإسلامين بالإضافة لشباب الألتراس ، كل هؤلاء قاموا بإلحاق أقسى هزيمة بالألة الأمنية المجرمة التي استعملت معهم كل أنواع العنف بدءأ من العصي الكهربائية وانتهاءا بالدهس المتعمد تحت عجلات سيارات الشرطة ، مرورا بقنابل الدخان والرصاص المطاطي والرصاص الحي .
 على مدى ثلاث أيام كاملة كانت المطاردات تتم في شوارع القاهرة والسويس والأسكندرية والمحلة . على مدى ثلاث أيام تم استخدام كل القوة لضرب المجتمع المصري كله ، صحفييه ومحامييه وشبابه وشيبه رجاله ونساؤه ، قتل من قتل وجرح من جرح وخطف من خطف، ثلاثمائة من القتلى وخمسمائة من المختطفين ، ثم انسحب مهزوما مخزيا حتى أن بعض قياداته اضطرت أن تتخفى في ملابس مدنية حتى يأمن غضب الشارع. وهكذا انتصر الشعب في الجولة الأولى.
كان انسحاب أدوات القمع مؤذنا ببداية الجولة الثانية من المعارك، هذه المرة كانت موجهة للشعب المصري كله ، فقد كان هناك من أصدر الأمر لكل قوى الأمن بالانسحاب من مواقعها  في أقسام الشرطة والمناطق السياحية والمباني والمنشاءات العامة ، ليحدث فراغا أمنيا كاملا ثم أطلق بلطجيته ومجرمي السجون في كل مكان ، وفتح إعلامه ليستقبل الاستغاثات ليبث الرعب في قلوب الكل،  في المتظاهرين حتى يعودوا إلى منازلهم ليحموها ، وفي غير المتظاهرين حتى يطالبوا النظام بالبقاء وحمايتهم، ويجبروا المتظاهرين على التوقف.
لكن الأمر الذي لم يتوقعه النظام الفاسد هو أن هذا الشعب فقد الثقة تماما في هذا النظام ، ولم يستدعه للحماية ، وإنما شكل وحدات شعبية للدفاع عن ممتلكاته بل وممتلكات المعتصمين والمتظاهرين من أقاربهم وجيرانهم وأبنائهم ، ومن ثم اصبح للمعتصمين والمتظاهرين قاعدة قوية للدفاع والتأمين وخسر النظام الجولة الثانية من الحرب.
وانتهت محاولات التخويف بالإنفلات الأمني بمظاهرات  مليونية يوم الثلاثاء أول فبراير ليظهر علينا مبارك بخطاب عاطفي ليس به أية تنازلات ولا تفهم منه  إن كان باق ونظامه  أم أنه يسعى إلى الخروج الآمن. لكن الإجابة جاءت سريعا، إنها الجولة الثالثة من الحرب على الشعب. فقد بدأ الإعلام المصري الرسمي والفضائيات المملوكة لكوادر الحزب الوطني  حملة إعلامية منحطة بأربعة أهداف ، الأولي استمالة مشاعر المصرين نحو الرجل العجوز الذي قدم الكثير للوطن وهو الآن  يتنازل ويرغب فقط في يدفن في أرض  مصر . والهدف الثاني هو تشويه صورة المعتصمين والمتظاهرين ، فهم خونة ومأجورين للأجانب وينفذون أجندات أجنبية ، والهدف الثالث إيهام  الشعب المصري بأن كل هذه الملايين المتظاهرة لا تمثل الشعب المصري الذي يصل تعداده إلى 85 مليون ، وأن النظام لديه أيضا ملايين من المؤيدين لم يكن يرغب في إنزالهم الشارع لكنه الأن مجبر على ذلك . أما الهدف الرابع والأخير فهو إلهاء الشعب عما جرى في طوال يومي الأربعاء والخميس من حرب إجرامية قام بها أعضاء الحزب الوطني بانفسهم بالتعاون مع مباحث أمن الدولة وعناصر أمنية أخرى وجيش من البلطجية كان هدفها اقتحام ميدان التحرير وإخلاءه ليحتله أنصار النظام ليعلنوا أن الشعب انتصر على الخونة وأعداء الشعب.
طوال يومي الأربعاء والخميس كان العالم كله يشهد أكبر مسخرة في التاريخ الحديث ، نظام حكم يستخدم البلطجية والمجرمين ويستخدم كل أنواع السلاح من الحجارة والمولوتوف والرشاشات والقناصة من أجل إخلاء ميدان التحرير . وعندما أدرك هؤلاء أن القنوات الفضائية العالمية تبث فضيحتهم على الهواء قرروا إخلاء المكان من كل الصحفين الأجانب ، وطوال اليومين كان البلطجية ورؤساءهم يجوبون شوارع وسط المدينة يخطفون الصحفين الأجانب ويصادرون أية مواد غذائية مع أي شخص حتى لا تصل إلى المعتصمين في الميدان.
كانت هذه الجولة الأخيرة هي الأخطر والأكثر فظاظة وقسوة ، كانت الليلة التي استشهد فيها إحدى عشر شهيدا إنضموا لثلاثمائة أخرون منذ الخامس والعشرين من يناير . لكن المجرمين وقادتهم من رجال الأعمال والفاسدين من الحزب الواطي خسروا هذه المعركة أيضا أمام شباب مصر.
وأظن أن هذه الجولة كانت أخطر الجولات لأنها كانت تعبير عن ما هو أهم فقد كان النظام الفاسد يحارب مصر الحقيقية بالسلاح وعلى الأرض . ولم يتوقف أحد من حراس هذا النظام المرئيين والخفيين ليسأل نفسه ماذا لو نجح البلطجية في إنقاذ النظام وكيف سيكون شكل الحياة في مصر بعدها.
وهذه الجولة هي الأهم لأنها قامت بالتعاون الواضح بين القادة "السياسين" في الحزب ورجال الأعمال وأعضاء الحزب في الدوائر والقوة الأمنية ، وبغطاء إعلامي وسياسي إذ اختفت حكومة الجنرالات على مدى 36 ساعة ظهر بعدها رئيس الوزراء ليعتذر بينما المعركة كانت دائرة لينقشع عنها يوم الجمعة بمظاهرات مليونية أخرى تعلن للمرة الثالثة وفاة النظام الذي يرفض أن يتنحى.
انتهت حرب العشرة أيام باستقالة مجلس الحرب المتمثل في الأمانة العامة للحزب الوطني بعد أن فشل في قمع الثورة وبعد أن استخدم كافة أدواته للإنقضاض عليها ومن ثم أصبح المتظاهرون المنتصرون الآن أمام الوجه المستتر للنظام والذي بدأ في محاولة تصفية الثورة دون استخدام العنف ومن ثم كان أول مطالبه هو إنهاء الإعتصام قبل أية ضمانات فهل يجوز لنا أن نمكنه ذلك؟
ميدان التحرير يناير 2011

Tuesday, January 25, 2011

اليائـس من الحيــاة


ربما كانت أقدم قصص محاولات الانتحارالمعروفة في التاريخ، تلك التي قام بها هذا الفليسوف المصري القديم. فقد أقدم منذ أكثر من أربعة آلاف عام علي الانتحار حرقا، وربما حدث ذلك في أعقاب انهيار الدولة المصرية القديمة، دولة بناة الأهرامات العظام. لكنه توقف ليشرح لنا موقفه من الحياة والموت. وليضع أمامنا أسبابه في اختيار الموت وتفضيله علي الحياة
ففي قصته المسجلة في بردية شهيرة محفوظة في متحف برلين يقدم لنا هذا المصري القديم أقدم حوار مع الذات، وهو يبدأ بوصف حالته الكئيبة والميؤس منها والتي تدفعه دفعا للانتحار. ففي فصل شعري طويل يصف لنا حالته المزرية التي أصبحت لا تطاق. يقول اليائس من الحياة واصفا نفسه
إن اسمي ممقوت، أكثر من رائحة التماسيح في يوم حار
إن اسمي ممقوت، أكثر من المرأة التي يتقولون عليها بالزنا
إن اسمي ممقوت، أكثر من الفتي الجبان الذي يسلم نفسه لخصمه
إن اسمي ممقوت، أكثر من مدينة تغلي بالتمرد عندما يغفل عنها حاكمها
وهذا اليائس التاريخي الذي لا يطيق نفسه له أسبابه، فالواقع الاجتماعي الذي كان يعيش فيه كان ظالما، يرتع فيه الشر في كل مكان، وتراجع فيه الخير عن جميع الناس. حتي الإخوة والأصدقاء اصبحوا اعداء لبعضهم البعض. فالقوة والثروة ذهبت للأشرار، والجار يسرق جاره والفلاح يذهب إلي الحقل حاملا سلاحه. فقد قل الأمان والخير والوفاء، ولم يعد للإنسان من صديق أو أخ أو جار يتحدث إليه وهذا هو ما يقرره اليائس من الحياة في الجزء الثاني من قصته، إنه يقول
لمن أتكلم اليوم، الاخوة شر وأصدقاء اليوم بلا حب
لمن أتكلم اليوم، فالقلوب سارقة والكل ينهب متاع جاره
لمن أتكلم اليوم، الوداعة انتهت والصفيق الوجه حط في كل مكان
لمن أتكلم اليوم، الكل يشيح بوجهه حتي عن اخيه
لمن أتكلم اليوم، ليس هنالك أناس عادلون والأرض تركت لصانعي الشر
لمن أتكلم اليوم، ليس من صديق وفي والناس يلجأون إلي المجهول
لمن أتكلم اليوم، ليس هناك انسان قانع ولم يعد وجود للرفيق في الحياة
لمن أتكلم اليوم، اني مثقل بالمتاعب فليس لي صديق
لمن أتكلم اليوم، الشر الذي يطوف العالم لا نهاية له
وهكذا لم يعد لصاحبنا مكانا في هذا العالم الشرير، وهذا المجتمع الظالم والقاسي. فقد أصبح الوطن غربة قاسية، وهو لا يستطيع أن يتعامل في هذا المجتمع بقوانينه العنيفة وقيمه الكاذبة. لقد أصبحت الحياة جحيما لا يطاق، وهكذا يصبح  الموت هو الطريق الوحيد للخلاص من هذا العالم الشرير البائس، ويصبح الاقدام علي الانتحار عمل خلاصي شجاع وخير. فاليائس من الحياة يتغزل في الموت ويقول
 الموت امام عيني اليوم، بمثابة الشفاء من المرض
الموت امام عيني اليوم، كالتحرر من السجن
الموت امام عيني اليوم، كالجلوس تحت شراع في يوم عليل النسيم
الموت امام عيني اليوم، كشذي زهرة اللوتس
الموت امام عيني اليوم، كالسماء الصافية
الموت امام عيني اليوم، كرجل يحن الي بيته بعد سنوات من الأسر
ولا نعرف إن كان صاحب النص انتحر أم لا ففي الجزء الأخير من البردية نجد نفسه تحاوره، لتثنيه عن الانتحار مذكرة إياه بأن تحمل متاعب الحياة وانتظار الموت الطبيعي أفضل من الإقدام علي إهلاك النفس والجسد. علي أن النص لا يعطينا إجابة إن كان قد استجاب أم لا
والنص الذي عرضت لك أجزاء قليلة منه عن هذا اليائس من الحياة يدلك بوضوح علي أن اليأس من الحياة لم يتغير منذ الألف الثالثة قبل الميلاد إلي أبواب الألف الثالثة بعده، فعلي مدي آلاف السنين يقف المنتحر ليشرح لنا نفس المشاعر الحزينة التي تكتنفه، ويصرخ إلينا ونحونا شارحا نفس المشاكل الاجتماعية التي تدفعه دفعا إلي الانطواء والارتباك والخوف والعزلة، ثم في النهاية إلي اختيار الموت شاطئ ومرفأ له يستخدم أكثر الأدوات ألما للوصول اليه
ويبدو لي أن أحدا لم يفهم "اليائس من الحياة " لا بالأمس البعيد ولا بالأمس القريب، وربما لن يفهمه أحد في الغد القريب أو المستقبل، فلا يبدو أن هناك من يتعلم من تجارب التاريخ



السبت 18 من صفر 1432 هــــــــ   22 يناير 2011 السنة 20 العدد 7209 




Sunday, January 9, 2011

أوائل الترجمات: إتحاف ملوك الزمان بتاريخ الإمبراطور شرلكان

أسس رفاعة الطهطاوي مدرسة الألسن في عام 1835 وتخرجت أول دفعة من المترجمين في عام 1939 ، كان رفاعة من أول المترجمين بدا بترجمة كتب الطب والهندسة والجغرافية ،ثم وجه تلاميذه إلى ترجمة كتب التاريخ العالمية ، وساعده في ذلك اقتناع محمد علي باهميتها.والكتاب الذي أقدمه لك  من ترجمة أحد تلاميذ الشيخ رفاعة ، وهو"خليفة أفندي بن محمود" . والكتاب الأصلي ألفه  عالم التاريخ الاسكتلندي " وليام روبرستون" في عام 1769 وعنوانه(تاريخ حكم الإمبراطور  شارل الخامس) . صدرت أكثر من  ترجمة فرنسية للكتاب منها تلك التي صدرت في  عام 1771 مع مقدمة عن تاريخ التطور السياسي في أوروبا ما قبل شارل الخامس .
عن  هذه الترجمة الفرنسية ترجم خليفة أفندي ترجمته العربية بعنوان (إتحاف ملوك الزمان بتاريخ الإمبراطور شرلكان). وفي هذه المدونة أقدم لك الثلاثة كتب ، الأصل الإنجليزي للكتاب ، والترجمة الفرنسية التي ترجم عنها خليفة أفندي وأخيرا الترجمة العربية التي صدرت عام .1844
وتعد الترجمة العربية التي بين يديك من أدق الترجمات  من حيث الدقة والالتزام بالأصل ، وأيضا من حيث تمكن المترجم من اللغة العربية الدقيقة والجزلة والممتعة في آن. وبقى أن تعرف أن سبب تسميته لشارل الخامس بشرلكان هو ان الترجمة الفرنسية كتبت إسم       فترجم أسمه كما ينطقه بالفرنسية ، Charles Quint ،بمكان ولادته   شارل مكنيا   


يمكنك تحميل

الأصل الإنجليزي                              الترجمة الفرنسية                            الترجمة العربية 





Saturday, January 8, 2011

ومـــــــاذا كنـــــا ننتظـــــــر؟


مرة أخري تتعرض مصر ونسيجها الوطني والاجتماعي لضربة إرهابية وإجرامية قاسية‏,‏ ومرة أخري يصبح أقباطها هدفا لقوي التعصب والإرهاب بما يهدد بدفعهم إلي مزيد من الذعر والتقوقع أو الانفجار العشوائي مثلما رأينا في الأيام السابقة‏

‏ ومرة أخري تثبت الجماهير المصرية العادية بكافة طبقاتها‏,‏ أللهم إلا قليلا‏,‏ عافيتها وقدرتها علي الاحساس بالخطر والانتباه لمزالقه‏.‏ فبدون إشارات من نخب أو قيادات أو كيانات تحرك المجتمع المصري كله لمحاصرة الخطر‏,‏ وجاءت المبادرات الإيجابية الصادقة والتي تحمل طابعا حضاريا وإنسانيا راقيا من الأفراد علي كافة المستويات وخاصة من الأجيال الشابة التي اتهمناها كثيرا بالسطحية واللامبالاة‏.‏

والواقع أن هذه التحركات الشعبية الإيجابية في مجملها كشفت بما لا يدع مجالا للشك ان المجتمع المصري أقوي من النخب الجاثمة علي صدره‏.‏ وأنه أصبح يواجه العنف الطائفي الممتد علي مدي القرون الأربعة الماضية بنفسه ومن دون خطط أو استراتيجيات واضحة للتخلص منه وهزيمته‏.‏ وأن الأزمة التي تتفاقم يوما بعد يوم وسنة بعد سنة ازداد اطرافها قسوة وعنادا‏،‏ واحترفت فيها النخب السياسية حديث المهدئات‏، وادمنت النخب المثقفة وقيادات المجتمع الخطب الحماسية والأحاديث الإذاعية والمقابلات التليفزيونية ومقالات الرأي المبتسرة‏.‏ 

ودليلي علي ذلك أنه في مثل هذه الأيام من العام الماضي داهمتنا حادثة نجع حمادي البشعة‏,‏ والتي رأي فيها الجميع نقلة نوعية في العنف الطائفي تدشن لما هو قادم من عمليات قتل عشوائية يمكن أن تحدث في المستقبل‏.‏ وقد كتبت وقتها‏,‏ وفي نفس هذه المساحة ما يلي‏:‏
والأمر الطبيعي في مثل هذه الحوادث المتكررة تقوم مؤسسات الدولة بتشكيل لجان للتحقيق ليس فقط في الحادثة الواحدة وإنما في سبب تكرار الحوادث وزيادة معدلاتها‏.‏ لكن هذا الأمر الطبيعي لم يحدث‏.‏
والمتوقع في مثل هذه الأحداث الجسام أن ينتفض نواب الأمة في مجلس الشعب ويشكلوا لجانا للتحقيق يكون من صميم اختصاصها مراجعة المسئولين الدينيين والمدنيين وأجهزة الأمن ومراكز الأبحاث‏,‏ ويكون من صميم عملها الاطلاع علي كل تفاصيل الأحداث من ملفات الجهات الأمنية إلي وثائق الخطاب الديني الذي قد يكون المحرض الأول علي الجرائم‏.‏
وفي مثل هذه الظواهر الاجتماعية المقلقة تنعقد مجالس أقسام العلوم الإنسانية بكل الجامعات والكليات ومراكز البحث وتعلن حالة الطوارئ لبحث المشكلة بشكل علمي دقيق وعميق‏,‏ وتمحص المشكلة من جميع جوانبها وتقدم الدراسات والأبحاث التي تنير الطريق أمام صاحب القرار السياسي ليهتدي بها في وضع الخطط العملية‏,‏ واتخاذ القرارات الصائبة و الحلول الناجعة للقضاء علي الأخطار الناجمة عن المشكلة‏.‏
وفي مثل هذه الأحداث ينشط علماء الدين والمفكرون المسلمون ليشكلوا معا فريقا لتوجيه الأمة وتوعيتها بالخطر وتقديم الطمأنينة والدعم لإخوتهم في الوطن‏.‏ ويسهر رجال الدين المسيحيون لدعم أبنائهم وطمأنتهم بأن لهم في المجتمع أخوة‏,‏ ويفتحوا ابواب الحوار والبحث عما يمكن أن يكون قد بدر منهم وساهم في الاحتقان‏.‏
وفي مثل الأحداث كما ينشط المجتمع المدني ليقدم النموذج الشعبي للتواصل والتحالف لخدمة المجتمع والوطن الذي يجمع بين المسيحي والمسلم واللاديني وصاحب أي دين تحت لافتة المجتمع المصري وعلم الوطن للدفاع عن السلم الاجتماعي وعدم التمييز‏.‏
وفي مثل هذه الجرائم الاجتماعية تتفرغ الأجهزة الأمنية لمسئوليتها في الدفاع عن أمن المواطن‏,‏ أي مواطن‏,‏ وكل مواطن ولاتتجه نحواستبعاد قوي المجتمع الأخري عن التصدي للمشكلة‏,‏ ولا تندفع نحو تبرير الأحداث وإلقاء التبعة علي مختل عقلي أومسجل خطر
في مثل هذه الحوادث الجسام يفعل الناس ما لم نفعله حتي الآن وعلي مدي أربعين سنة من التوتر الطائفي‏,‏ وعشر سنوات من الاعتداءات المسلحة من أفراد عاديين‏,‏ فمتي نفعل؟
والحقيقة هي أننا علي مدي عام كامل ، وبعد أن هزنا الحادث الجلل،  لم نفعل أيا مما ذكرته آنفا من واجبات وطنية‏، و رغم علمي بأن هناك بعض الاجتهادات هنا وهناك إلا انني أغامر بالقول أن كل ما اتحذ من هذه الاجراءات مثل عقد اللجان والمتابعات تمت بصورة روتينية ربما لإبراء الذمة وتسكين الأوضاع‏.‏
لكن الأخطر من ذلك إن نخبنا فعلت العكس تماما‏، فعلي مدي العام الماضي انخرط بعض من أهم "المفكرين|" الدينيين والدعاة ورجال الدين المسيحيين والمسلمين‏، وجميعهم من‏'‏ الكبار‏'، في سجالات طائفية عبثية ابتذل فيها الدين والوطن‏، وأصبحت مباراة السيطرة علي‏'‏ السيدتان‏'‏ هي معركة شرف الأديان ولو أدت إلي إحراق الوطن بأكمله‏.‏ وبدلا من أن يستمع أولئك وهؤلاء للأصوات العاقلة التي طالبتهم بالتوقف‏، تمادوا في إطلاق مزيد من المتفجرات في الساحة لتزداد اشتعالا وفوضي حتي أنها عرضت الوطن ولا أقول المسيحيين فقط إلي تهديدات الإرهاب الدولي‏.‏ وبالرغم من ذلك كله تثاقلنا جميعا في النهوض للتصدي لمسئولياتنا الجسام‏، واستسلمنا لأمانينا بألا تحدث القارعة‏,‏ وسلمنا بالنظرية الأمنية التي لا تهتم كثيرا في عملها المهني بالمشاركة الشعبية أو حتي مشاركة المؤسسات العلمية والبحثية الأخري‏.‏
وهكذا أفقنا علي أصوات انفجارات وتطاير أشلاء وتناثر دماء وحشرجات موت وصراخ وعويل‏، وأدركنا جميعا أن من قتلوا هم أحباء وأصدقاء وشركاء وطن‏,‏ لكننا حتي الآن لم ندرك بعد أن‏'‏ أيادينا ملآنة دم‏'.‏

السبت 4 من صفر 1432 هــــــ   8 يناير 2011 السنة 20 العدد 7195