والأستاذ علي الألفي المؤلف يكاد يكون مؤمنا بأن كتابه' الجبتانا' هو أسفارالتكوين المصرية كما كتبها مانيتون, وله فعلا كتاب مفقود بعنوان' الأسفارالمقدسة'. وقد أعطي الإيحاء بذلك بأن صدر كتابه بكلمة' تحقيق', كما أعطاه عنوانا داخليا يقول' الأصل اللاهوتي الديموطيقي مانيتون السمنودي برواية الراهب أبيب النقادي', وجعل من مهمته كباحث' الجمع والتحقيق والمراجعة التاريخية والصياغة العربية'. كل هذه العناوين توحي بأنه حقق مادة تاريخية متوافرة لديه, لكنك ما أن تبدأ القراءة حتي تكتشف أن هذه المادة التاريخية إن هي إلا رواية شفاهية للراهب' أبيب النقادي' الذي عاش عمر مديدا من ستينيات القرن التاسع عشر حتي خمسينيات القرن العشرين. فالمؤلف يذكر أنه تعرف شاب صغير علي الراهب ومن ثم نقل عنه رواياته الشفاهية التي كان قد توارثها عبر الأجيال منذ زمن مانيثون, أي علي مدي واحد وعشرين قرنا من الزمان. ومما يجعل الكتاب مدهشا أن المؤلف أخرجه الكتاب علي هيئة الكتاب المقدس فهو مكون من عدة أسفار وكل سفر مكون من عدة إصحاحات, وهو يمزج الأساطير المصرية القديمة مزجا ليجعل منها التاريخ الأسطوري لتكوين الجماعة المصرية كما يراها, فهو إذن كتاب في الحنين إلي مصر كما يحبها المؤلف. وتثير رواية الراهب أبيب الشفاهية قضية مهمة تلك التي تدور حول التراث التاريخي الشفاهي الذي كان لدي المصريين عن تاريخهم القديم, وقد اثار هذه القضية الراحل الدكتور حسين فوزي عندما حاول أن يعرف المصادر التي استقي منها مؤرخي القرون الوسطي المسلمين العظام بدءا من ابن عبد الجكم وانتهاءا بابن إياس معلوماتهم عن تاريخ مصر القديمة. فقد راعه أن تكون كافة القصص المتداولة عن تاريخ مصر القديم أسطورية وخيالية إلي حد كبير علي الرغم من الحضور الطاغي للحضارة المصرية القديمة علي مدي آلاف السنين. ومن ثم ناقش احتمالية القصص التاريخية الشفاهية التي كان يحفظها الأقباط عن تاريخهم القديم. والتي كانت في مجملها أسطورية و ملحمية اكثر منها حقائق تاريخية, والتي تشكلت عبر مرحلة تاريخية مضطربة أشد الإضطراب امتدت من القرن الرابع الميلادي حتي مجيء العرب. ولدينا مؤلف تاريخي للأسقف يوحنا النيقوسي من القرن السابع الميلادي يؤكد ما ذهب إليه حسين فوزي إذ يحتوي كتابه علي بعض شذرات من تاريخ مصر القديم تتميز بالروح الأسطورية رغم احتوائها علي بعض الحقائق التاريخية. الجبتانا إذا ليس كتابا في التاريخ ولا يمكن تقيمه تاريخيا, لكنه بالرغم من ذلك كتاب شاعري وأسطوري في حب مصر, بل لعله غارق في غرامه بمصريته. وهو يقدم مصر القديمة بكلمات حديثة تداخل فيها ما ترسخ في الوجدان المصري من ثقافات عبرت علي الكيان المصري يونانية وعربية, مسيحية وإسلامية وهو عندي أحد أشكال التعبير عن أزمة الهوية التي نعانيها منذ عقود. لقد أصبحنا بحاجة شديدة لتمثل تاريخنا بمراحله جميعها بشكل متوازن وواقعي لا يغلب فيه حقبة علي أخري وتختزل فيه فترات لصالح فترات أخري. فنحن بحاجة إلي استكشاف الذات التاريخية وليس إلي اختراعها اختراعا. السبت 7 من ذى الحجة 1431 هـــــــ 13 نوفمبر 2010 السنة 20 العدد 7139 |
Saturday, November 13, 2010
الجبتــانا
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment