|
لمتاحف الآثار أهمية كبيرة في كل مكان في العالم, وهي إذ تحتوي علي ما تركه الأقدمون لنا من أثار حياتهم تعيننا علي أن نفهم تاريخهم وتاريخنا, أصلهم وأصلنا, وتساهم في تعميق وعينا بجذورنا الإنسانية. |
|
ولمتاحف الآثار ما هو أكثر أهمية من ذلك, فهي تشكل أحد رموز الوطن, بل إنها في الأساس احدي منتجات الدولة القومية الحديثة حيث تشكل مع الراية( العلم) والسلام الوطني رموزا وطنية يتشكل بها الوجدان الوطني لأبنائه. ولهذا السبب لا تجد في العالم كله دولة تتهاون مع أي إساءة لرايتها او نشيدها الوطني, كما تتسابق كافة الدول في العناية بمتاحفها الوطنية التي تحتوي آثارها وتاريخها.
ولأن مصر بلد صناعته التاريخ, ولأن أجدادنا وعلي مدي التاريخ احترفوا صناعة الحياة وأدواتها, فإنهم تركوا لنا تراثا أثريا لا مثيل له في العالم كله. فعلي مدي أكثر من سبعة آلاف عام تركوا لنا ما يسمح بإنشاء متحف وطني كبير في كل محافظة من محافظات مصر, ليصبح مدرسة حقيقية للوجدان الوطني علي كل بقعة من بقاع الوطن.
لكننا اخترنا أن نستسلم لتفتيت تاريخنا الوطني إلي حقب تاريخية منقطعة الصلة عن بعضها البعض, وأسسنا علي ذلك أن تكون متاحفنا انعكاسا لوعينا التاريخي المفتت والمأزوم. فقد أسسنا لمتحف الآثار المصرية القديمة, آخر لآثار المرحلة اليونانية الرومانية وثالثا للفن القبطي ورابعا للفن الإسلامي. ورسخنا في أذهان العامة والمتعلمين فكرة متحف' الأنتيكات', وربطنا دون أن ندري بين الهوية الدينية والأثار الوطنية.
بل إننا ذهبنا إلي ما هو أبعد من هذا, ففي الوقت الذي أهملنا فيه إثراء الوعي الوطني لأطفالنا وشبابنا و جماهيرنا بأثارنا وتراثنا في متاحفه المغلقة والمفتوحة, سري في وعينا دون أن ندري أن هذه الآثار ما هي إلا أدوات سياحية مهمتها جلب المنافع الاقتصادية, ومن ثم يكون التركيز علي الاهتمام بها هو المحافظة عليها حتي تستمر في در الأرباح, والاهتمام بزائرها الذي هو السائح الأجنبي والعمل علي راحته.
ولأن لدينا ازمة في الوعي التاريخي, ولأن لدينا أزمة في تمثل الدولة الوطنية الحديثة, فالنتيجة الموضوعية هي فقدان الوعي الأثري والمتحفي بالكلية, يستوي في ذلك المتعلمون وغير المتعلمين, بل ويطول, وللأسف الشديد, المسئولين عن هذه المتاحف, ويبدو أنهم يظنون أنهم يحرسون مخازن للأنتيكات باهظة الثمن. وهذا ما اختبرته شخصيا في زيارتي الأخيرة لمتحف الفن الإسلامي.
فقد ذهبت مع البعض إلي المتحف ظهر يوم الجمعة الموافق30 أكتوبر, كنا ممتلئين شغفا وحماسا لمشاهدة ما قد حجب عنا لمدة ثماني سنوات كاملة, أكثر من مائة ألف قطعة أثرية بعضها لا مثيل له في العالم, وتحكي جزءا مهما من تاريخ أسلافنا فيما تركوه لنا. ولأننا نعرف كما يعرف الكثيرون مواعيد الزيارة أيام الجمع, فقد وصلنا أمام المتحف في تمام الساعة الواحدة بعد الظهر وهو موعد فتح أبواب المتحف للفترة المسائية.
كان باب المتحف مغلقا وقد بدأ الزوار المصريون والأجانب يتوافدون أمامه حتي ملأوا الرصيف, مرت عشر دقائق دون أن يفتح أحد الباب عندما توجهت لأفراد الأمن علي البوابة الجانبية للاستفسار إن كان هناك مشكلة. وكانت المشكلة ببساطة أن الموظف المسئول قد ذهب لصلاة الجمعة وأخذ معه مفتاح البوابة!.
شئ غريب وغير مفهوم فالمساجد والجوامع حول المتحف بالعشرات وبعضها علي بعد امتار من المتحف, والصلاة قد انتهت في كافة الجوامع قبل أربعين دقيقة علي الأقل, لكن الموظف لم يظهر إلا في الواحدة والنصف بعد أن تكدس الناس علي الرصيف وجلس بعضهم عليه من التعب.
فتحت البوابة لندخل, ما هذ الجيش من الموظفين والعمال ورجال الأمن؟ وما هذه الطريقة التي يتعاملون بها مع رواد المتحف؟, والتي أقل ما يقال عنها أنها معاملة خشنة وفوضوية. تكدس تسبب فيه التأخير في فتح الباب يعقبه تعامل يجعل مني ومنك مواطنا مشكوكا فيه, ربما ترغب في الدخول بغير تذكرة!!, أو تهريب كاميرا!!.
نطوف في المتحف بآثاره الجميلة( بعض الآثار التي كانت معروضة سابقا لم أعد أعرف مكانها بعد التطوير). كنت أحدث صحبتي عن بعضها فانضم إلينا مواطن مصري جميل يصطحب أطفاله معه ليعرفهم أثار بلدهم, وفجأة يظهر أحد الموظفين ليسألني إن كنت مرشدا سياحيا؟!, ففي بلدنا لا يعرف التاريخ والأثار إلا المرشد السياحي!!. أثرت أن أشرح أن هذه زوجتي وهذه صديقتنا وهذا الرجل أخي المواطن المصري الجميل الذي تعرفت عليه للتو, فهل هذا بحاجة لمثل هذا التدخل الفج من موظف تفشل إدارته في تنظيم دخول مائة فرد إلي المتحف في الميعاد المقرر؟.
من الواضح إننا لسنا بحاجة لتطوير فترينات العرض لمقتنياتنا الأثرية لتبدو جميلة, نحن بحاجة ماسة إلي تدريب وتعليم هؤلاء الذين عهدنا إليهم الحفاظ علي هذه المقتنيات علي كيفية التعامل مع زوار المتحف. إننا بحاجة إلي تعليم هؤلاء المسئولين ما الذي يعنيه المتحف والأثر والمواطن. فعلي باب المتحف المغلق سأل أحد الأجانب أخر عن موعد فتح باب المتحف فأجابه باسما, بالتوقيت المصري أم بالتوقيت الأوروبي.
السبت 29 ذى القعدة 1431 هـــــــ 6 نوفمبر 2010 السنة 20 العدد 7132 |
|
No comments:
Post a Comment