دعوة هزلية يطلقها نظام مهزوم وبعض مدمنى الخوف يطالبون فيها المنتصرين المعتصمين في ميدان التحرير بالتراجع والعودة إلى منازلهم دون أن يتحقق لهم أي مطلب مما طالبوا به. فبعد كل التضحيات الجسيمة التي قدمها هؤلاء الشباب العظماء من أجل مستقبل أفضل لمصر، يصر مبارك ونظامه الكسيح على البقاء بأي ثمن ويرفض كل أنواع التنازلات ، حتى إنه لم ينطق بكلمة اعتذار واحدة عما اقترفته قواته القمعية المهزومة في الشارع من اعمال إجرامية ، فلماذا إذن ينفض الاعتصام؟.
المواطن المصري مايو 2006 مظاهرات دعم القضاة |
فخلال عشرة أيام خاض هؤلاء المعتصمون من الشباب والشعب المصري ثلاث جولات من المعارك الشرسة والخطيرة ضد هذا النظام
بدأت الجولة الأولى يوم الثلاثاء 25 يناير واستمرت حتى مساء يوم الجمعة 28 يناير ، وهى المعركة التي قام فيها شباب من كافة أطياف الشعب المصري من المسلمين والأقباط ، شباب من الشيوعيين واليساريين والليبرالين والإسلامين بالإضافة لشباب الألتراس ، كل هؤلاء قاموا بإلحاق أقسى هزيمة بالألة الأمنية المجرمة التي استعملت معهم كل أنواع العنف بدءأ من العصي الكهربائية وانتهاءا بالدهس المتعمد تحت عجلات سيارات الشرطة ، مرورا بقنابل الدخان والرصاص المطاطي والرصاص الحي .
على مدى ثلاث أيام كاملة كانت المطاردات تتم في شوارع القاهرة والسويس والأسكندرية والمحلة . على مدى ثلاث أيام تم استخدام كل القوة لضرب المجتمع المصري كله ، صحفييه ومحامييه وشبابه وشيبه رجاله ونساؤه ، قتل من قتل وجرح من جرح وخطف من خطف، ثلاثمائة من القتلى وخمسمائة من المختطفين ، ثم انسحب مهزوما مخزيا حتى أن بعض قياداته اضطرت أن تتخفى في ملابس مدنية حتى يأمن غضب الشارع. وهكذا انتصر الشعب في الجولة الأولى.
كان انسحاب أدوات القمع مؤذنا ببداية الجولة الثانية من المعارك، هذه المرة كانت موجهة للشعب المصري كله ، فقد كان هناك من أصدر الأمر لكل قوى الأمن بالانسحاب من مواقعها في أقسام الشرطة والمناطق السياحية والمباني والمنشاءات العامة ، ليحدث فراغا أمنيا كاملا ثم أطلق بلطجيته ومجرمي السجون في كل مكان ، وفتح إعلامه ليستقبل الاستغاثات ليبث الرعب في قلوب الكل، في المتظاهرين حتى يعودوا إلى منازلهم ليحموها ، وفي غير المتظاهرين حتى يطالبوا النظام بالبقاء وحمايتهم، ويجبروا المتظاهرين على التوقف.
لكن الأمر الذي لم يتوقعه النظام الفاسد هو أن هذا الشعب فقد الثقة تماما في هذا النظام ، ولم يستدعه للحماية ، وإنما شكل وحدات شعبية للدفاع عن ممتلكاته بل وممتلكات المعتصمين والمتظاهرين من أقاربهم وجيرانهم وأبنائهم ، ومن ثم اصبح للمعتصمين والمتظاهرين قاعدة قوية للدفاع والتأمين وخسر النظام الجولة الثانية من الحرب.
وانتهت محاولات التخويف بالإنفلات الأمني بمظاهرات مليونية يوم الثلاثاء أول فبراير ليظهر علينا مبارك بخطاب عاطفي ليس به أية تنازلات ولا تفهم منه إن كان باق ونظامه أم أنه يسعى إلى الخروج الآمن. لكن الإجابة جاءت سريعا، إنها الجولة الثالثة من الحرب على الشعب. فقد بدأ الإعلام المصري الرسمي والفضائيات المملوكة لكوادر الحزب الوطني حملة إعلامية منحطة بأربعة أهداف ، الأولي استمالة مشاعر المصرين نحو الرجل العجوز الذي قدم الكثير للوطن وهو الآن يتنازل ويرغب فقط في يدفن في أرض مصر . والهدف الثاني هو تشويه صورة المعتصمين والمتظاهرين ، فهم خونة ومأجورين للأجانب وينفذون أجندات أجنبية ، والهدف الثالث إيهام الشعب المصري بأن كل هذه الملايين المتظاهرة لا تمثل الشعب المصري الذي يصل تعداده إلى 85 مليون ، وأن النظام لديه أيضا ملايين من المؤيدين لم يكن يرغب في إنزالهم الشارع لكنه الأن مجبر على ذلك . أما الهدف الرابع والأخير فهو إلهاء الشعب عما جرى في طوال يومي الأربعاء والخميس من حرب إجرامية قام بها أعضاء الحزب الوطني بانفسهم بالتعاون مع مباحث أمن الدولة وعناصر أمنية أخرى وجيش من البلطجية كان هدفها اقتحام ميدان التحرير وإخلاءه ليحتله أنصار النظام ليعلنوا أن الشعب انتصر على الخونة وأعداء الشعب.
طوال يومي الأربعاء والخميس كان العالم كله يشهد أكبر مسخرة في التاريخ الحديث ، نظام حكم يستخدم البلطجية والمجرمين ويستخدم كل أنواع السلاح من الحجارة والمولوتوف والرشاشات والقناصة من أجل إخلاء ميدان التحرير . وعندما أدرك هؤلاء أن القنوات الفضائية العالمية تبث فضيحتهم على الهواء قرروا إخلاء المكان من كل الصحفين الأجانب ، وطوال اليومين كان البلطجية ورؤساءهم يجوبون شوارع وسط المدينة يخطفون الصحفين الأجانب ويصادرون أية مواد غذائية مع أي شخص حتى لا تصل إلى المعتصمين في الميدان.
كانت هذه الجولة الأخيرة هي الأخطر والأكثر فظاظة وقسوة ، كانت الليلة التي استشهد فيها إحدى عشر شهيدا إنضموا لثلاثمائة أخرون منذ الخامس والعشرين من يناير . لكن المجرمين وقادتهم من رجال الأعمال والفاسدين من الحزب الواطي خسروا هذه المعركة أيضا أمام شباب مصر.
وأظن أن هذه الجولة كانت أخطر الجولات لأنها كانت تعبير عن ما هو أهم فقد كان النظام الفاسد يحارب مصر الحقيقية بالسلاح وعلى الأرض . ولم يتوقف أحد من حراس هذا النظام المرئيين والخفيين ليسأل نفسه ماذا لو نجح البلطجية في إنقاذ النظام وكيف سيكون شكل الحياة في مصر بعدها.
وهذه الجولة هي الأهم لأنها قامت بالتعاون الواضح بين القادة "السياسين" في الحزب ورجال الأعمال وأعضاء الحزب في الدوائر والقوة الأمنية ، وبغطاء إعلامي وسياسي إذ اختفت حكومة الجنرالات على مدى 36 ساعة ظهر بعدها رئيس الوزراء ليعتذر بينما المعركة كانت دائرة لينقشع عنها يوم الجمعة بمظاهرات مليونية أخرى تعلن للمرة الثالثة وفاة النظام الذي يرفض أن يتنحى.
انتهت حرب العشرة أيام باستقالة مجلس الحرب المتمثل في الأمانة العامة للحزب الوطني بعد أن فشل في قمع الثورة وبعد أن استخدم كافة أدواته للإنقضاض عليها ومن ثم أصبح المتظاهرون المنتصرون الآن أمام الوجه المستتر للنظام والذي بدأ في محاولة تصفية الثورة دون استخدام العنف ومن ثم كان أول مطالبه هو إنهاء الإعتصام قبل أية ضمانات فهل يجوز لنا أن نمكنه ذلك؟
No comments:
Post a Comment